إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 5 يونيو 2012

ولد مولود: الوضع في موريتانيا ينذر بالانفجار (مقابلة)






يعتبر الدكتور محمد ولد مولود زعيم اتحاد قوى التقدم رقما صعبا في المعادلة السياسية اليوم بموريتانيا ،وواحد من أبرز وجوه المعارضة الديموقراطية وقادتها اليوم.


نشط في معارضة النظام الحالي بقوة وساهم في تأسيس الجبهة الوطنية للدفاع عن الديموقراطية بعد انقلاب السادس اغسطس 2008 ،وكان عضوا في وفد المعارضة في حوار دكار الذي قاد في النهاية إلى حلحلة الأزمة السياسية والدستورية في البلاد آنذاك. "امجاد"أجرت معه لأول مرة مقابلة شاملة في مكتبه بحزب اتحاد قوى التقدم الذي يقوده منذ تأسيسه قبل عدة سنوات كأحد اهم تشكيلات الطيف السياسي المعارض في البلاد اليوم .

ولأن الحوار مليئ بالقضايا والافكار والمواقف حول جل المسائل الوطنية الأساسية على مختلف الأصعدة والمستويات،وبشكل ساخن أحيانا فإننا نقترح على القراء الدخول مباشرة فيه لاكتشاف مافيه من طرح ورؤى وتصورات حول المشهد السياسي وحصاد موريتانيا اليوم في الخطاب السياسي عند الدكتور محمد ولد مولود زعيم اتحاد قوى التقدم المعارض.
أجرى الحوار:سيدي ولد الأمجاد

"أمجاد": ماهو تقييمكم للوضعية السياسية الراهنة للبلد وكيف تقرؤون ملامح هذه الخريطة؟
محمد ولد مولود: أظن أن الوضع الراهن يتسم ببعض التحولات الهامة،أساسا في مجال وضوح الرؤية للرأي العام وللمواطن العادي بعد الضباب الكبير الذي كان يسبح فيه نتيجة فترة الانقلاب ونتيجة الدعايات والحملات الترويجية التي كان النظام يقوم بها والتي أعطت انطباعا أن هنالك صراعا بين تيار الفقراء ضد تيار المفسدين وأن هنالك أمل كبير بأن يتم تصحيح شامل لأوضاع البلد ،وهي عملية تضليلية في نظري من هذا النوع لم تمكن المواطنين ولم تمكن الطبقة السياسية من مواجهة المشاكل كما هي.

الآن بدأ الضباب يتلاشى وبدأنا نشاهد الوضع على حقيقته ،مع الأسف نلاحظ أنه مقارنة مع الوضعية ما قبل السادس أغشت نحن اليوم نعيش أحوالا مزرية في المجال الاقتصادي والاجتماعي والسياسي ،وبدلا من أن يكون هذا الانقلاب كما يدعي أصحابه انقلابا للتصحيح كان مع الأسف انقلابا لتخريب المكاسب الأساسية في مجال الحريات وفي مجال الإصلاح الاقتصادي وفي مجال تحسين الأوضاع الاجتماعية ،على سبيل المثال كان الشعار الأساسي لهذا التوجه الحاكم الآن هو شعار مكافحة الفساد اتضح بالتجربة أنه كان شعارا مغالطا يريد فقط أن يضفي لمسة من المشروعية على عملية تصفية حسابات سياسية وشخصية لا دخل للبلد فيها ولا تفيد الوضع السياسي بل تضيف له توترات وقد تفتح له أبواب انزلاقات خطيرة .

كذلك مكافحة الفقر تحولت في الحقيقة إلى عملية الأمير الكريم الذي يوزع على الفقراء وهذا بالطبع في الممارسات السياسية يعني فقط أننا لسنا في دولة ديموقراطية ،وأننا لسنا في دولة الممتلكات فيها والوسائل للدولة وللشعب ،بل إنها ملك للحاكم وله الحق في أن يمنحها ويوزعها على من يريد ،وهناك يمكن أن يدعي أنه كريم أوبخيل بحسب ما يوفره من عطاءات لهذا الوسط أو ذاك ولهذا الشخص أو ذاك ،وفي الواقع لم نجد تنمية اقتصادية ،لم نجد تقويما للأوضاع في العديد من المجالات وفي المؤسسات العمومية ،لم نجد بحثا عن فرص عمل ،لم نجد محاولات جادة لإنشاء فرص جديدة للخروج من عنق الزجاجة أولمواجهة الأزمة الاقتصادية الدولية ،ولمواجهة مشكلة غلاء المعاش ولمواجهة ارتفاع الأسعار.

كل هذه الأمور تغيب فيها العملية المسؤولة كالتفكير والتدبير وتنفيذ برامج محددة ،هناك فقط الارتجالية في كل الأمور والمركزية الشخصية. هذا هو الوضع الذي نراه جليا أمامنا اليوم،والسؤال المطروح ماهو المآل الذي أسفر عنه هذا التخبط الهائم على وجهه منذ الانقلاب؟ مآل هذه السياسة نراه اليوم مخيبا للآمال،لدينا دولة عاجزة مطلقا ،وهذا العجز ناتج عن مسألتين :
الأولى منها هي تصفية كل الكفاءات من الإدارة لتعيينات الأساسي فيها هو المحسوبية ،وهذه المحسوبية أفقدت الإدارة الموريتانية الآن كل الكفاءات ،وأصبحت الأمور في غالبها-لا أقول كل من عينوا ليسوا مؤهلين لذلك-لكن الغالبية والروح التي تقوم عليها هذه التعيينات هي أساسا روح المحسوبية السياسية أو الشخصية،وبالتالي أصبحت الإدارة في أيدي موظفين أولا أغلبيتهم خارج إطار الوظيفة العمومية ،لا خبرة لهم في تسيير الأمور وبالتالي هم في وضعية حرجة لا يعرفون الدور الذي يجب عليهم أن يقوموا به،ولم يجدوا أمامهم من يقول لهم كيف يسيرون الأمور؟،وكذلك لم يجدوا قيادة حكومية توجههم ،وكل الكفاءات الأساسية جردت من وظائفها على أساس سياسي وبشكل مكشوف.

كل من جردوا من وظائفهم في التعيينات الأخيرة في قرارات مجلس الوزراء ،هم عناصر يقال إن السبب في تجريدهم من وظائفهم هو تصويتهم لمسعود ولد بلخير أو تصويتهم لأحمد ولد داداه،هذا بالطبع فضيحة سياسية ونتيجتها اليوم هي العجز الواضح للإدارة في عدم قدرتها على القيام بمهامها.

السبب الثاني لعجز الإدارة هو المركزية المطلقة للقرار على مستوى رئيس الدولة ،فتقريبا لم يعد للوزير ولا حتى لرئيس الوزراء أي هامش لاتخاذ أي قرار .

نحن الآن في دولة من يتخذ القرار في المسائل الحيوية هو رئيس الدولة،من يتخذ القرار في المسائل الإدارية العادية هو رئيس الدولة ، من يتخذ القرار حتى في القضايا التافهة الجزئية هو رئيس الدولة،فقد قرأت أخيرا في أحد المواقع أن وزارة وجهت رسالة لرئاسة الجمهورية تطلب منها فيها السماح لها باقتناء عجلات لسيارة إسعاف!!

وصلنا إلى هذا الحد من المركزية،وبالطبع إذا كان رئيس الجمهورية هو الذي يعمل كل شيئ ،ولا يمكن لأحد أن يعمل أي شيئ إلا بإذنه،فهذا ما جعل كل الدولة الآن متوقفة بدون عجلات!هي "على الكال"كما يقال.

وأظن أن هذه هي الكارثة الكبيرة لأننا أمام تحديات صعبة-وهذا هو الجانب الثاني من الرد على سؤالكم-البلد يواجه الآن مخاطر تهدد سيادته في الصميم،تهدد كيانه ومعاشه معا،الأولى منها هي موجة الفقرالمدقع التي تجتاح كل المسرح الاجتماعي ،كل الفئات الاجتماعية ،الآن ما يسمى بالفئات المتوسطة -إذا كان من الممكن أن نطلق عليها هذا المصطلح-أصبحت اليوم فئات فقيرة،والفئات المترفة أصبحت الآن في وضعية حرجة ،رجال الأعمال الكثير منهم يهدده الإفلاس،وبعضهم نشاطاته متوقفة ،هذاهو كل ما أنجزه النظام الحالي منذ سنتين ،أي إفقار الشعب الموريتاني وليست هناك بوادر لوثبة أو لتصور جديد لمواجهة موجة الفقر ،هناك عمليات مضطربة وغير منسجمة ولا بداية لها ولا نهاية يقوم بها النظام من حين لآخر،لكن ليست هنالك سياسة حقيقية في مواجهة الفقر ،والتصدي للأزمة الغذائية .

كيف نواجه الآن الأزمة الغذائية ،واجهناها منذ سنتين منذ وصل الجنرال إلى السلطة بإهمال قطاع الزراعة ،ولأول مرة في تاريخ موريتانيا نرى السلطة تتجاهل الحملة الزراعية ،تجاهلتها 2008 وتجاهلتها 2009 في مغب الأزمة الغذائية العالمية ،هذا يجسد حقيقة عدم الاكتراث بمكافحة الفقر ويعبر ايضا عن أن السلطة منشغلة بمسألة أخرى غير النهوض بواقع الشعب الموريتاني إلى ماهو أحسن.

فيما يعني الخطر الثاني فهو الغزو الاستعماري المافيوي:
إنه غزو ولكنه غزو صامت ففي الدول التي تسود فيها الرشوة تباشر المافيا الدولية في أمريكا اللاتينية تبني استيراتيجية معروفة اليوم بوضع يدها على الدول الهشة والضعيفة في غرب افريقيا وفي الصحراء ،لأنها دول فقيرة ينخرها الفساد ،وبما أن هذه المافيا لها وسائل تفوق وسائل الدول المعنية ،فهي تنوي التغلغل في الأجهزة وكل المفاصل الحيوية لجهاز الدولة وخاصة جهاز الأمن وجهاز القضاء والجهاز العسكري للسيطرة على هذه الدول ،حتى تكون هذه المنطقة ممرا للاتجار بالمخدرات نحو أروبا ونحو الخليج وآسيا.

والمشروع متقدم جدا ويبدو أن بعض الدول سقطت فعلا تحت أيديهم كغينيا بيساو، وهم يتقدمون في الدول الأخرى وهذا غزو صامت ،لكن أحيانا له مظهر واضح مثل نزول الطائرات في منطقتنا الصحراوية ،2007 كانت طائرة صغيرة 2009 أصبح بوينغ في صحراء مالي ،هنالك توجه حقيقي لاستفحال هذه الظاهرة في محيطنا والسؤال ماهو استعدادنا لمواجهة هذا الخطر الماحق ؟كيف نواجه المخدرات ؟ إضافة إلى ذلك هناك تفشي ظاهرة المخدرات في شبابنا ،وليست هنالك أية سياسة لإنقاذ ولحماية أولادنا من هذا الداء الكبير. مجتمعنا مجتمع بريئ ولا علم له بهذه الأمور وبالتالي ما يجري الآن هو أنه سيغزى غزوا صامتا ولن يستيقظ إلا بعد فوات الأوان ،لأن الفرصة في هذه الأمور تضيع عندما لا نتخذ الاحتياطات اللازمة مسبقا قبل أن يتحكم فينا الداء،لأن المخدرات هي مثل السرطان يمكن علاجها قبل أن تتحكم لكن عندما تتحكم من الصعب على الدولة أو المجتمع أو الجسم أن يتخلص منها.

نحن الآن إذن أمام وضعية خطيرة من هذا النوع ،البلد فقير ،البلد فيه جهاز دولة ضعيف وفاسد ،وأمام هذا التحدي ليس عندنا حكم يبدي إرادة جادة في مواجهة هذا الداء .

كذلك الخطر الثالث هو التطرف،التطرف العنيف وهذا التطرف العنيف أي من يدخل استخدام العنف لمعالجة خلافات سياسية أو اجتماعية من الممكن علاجها بطرق سلبية ،هذا التطرف هو تطرف إما عرقي وإما ديني-كما هو الحال اليوم-أو تطرف مافيوي ،لأن شبكات المخدرات تتنافس فيما بينها وإذا حصلت بينها خلافات غالبا-حسب تجربة البلدان التي تم فيها هذا النوع مثل البرازيل و المكسيك-تحول ساحة البلد إلى شلال دم .

هذه تقريبا هي الأخطار الكبيرة التي بدأت تشكل أسبابا عامة لكل الوضع الراهن،وهي موضع انشغال وتفكير بالنسبة لنا ،وبالنسبة لكل الوطنيين وأظن أنها أيضا تبرر ضرورة حوار وطني لمواجهتها.

"أمجاد": على المستوى السياسي بالتحديد ،أنتم تطرحون الحوار كمنفذ وحيد لمواجهة هذه التحديات الجوهرية،ولكن ماذا يميز العملية السياسية وأداء الطبقة السياسية عموما اليوم ،أقصد هل الحياة الديموقراطية بخير الآن في موريتانيا حتى تكون هناك أرضية يمكن أن يتلاقى عليها الجميع؟

محمد ولد مولود: أنا تحدثت عن التحديات الكبيرة التي تواجه البلد ،وعادة نفضل من ساسة وصحفيين الحديث عن شؤون الساعة السياسية والصراعات السياسية التقليدية،ولكن أظن أن هذا ثانوي جدا بالنسبة لضخامة هذه التحديات.

فإذا لم نجابه بفعالية هذه التحديات فلا مجال للكلام عن موريتانيا مستقبلا ولا عن سياستها ولا عن ديموقراطيتها ولا عن نظامها السياسي،ومع ذلك لا جدال في أن الوضع الاقتصادي والوضع السياسي يفسران عجز البلد الآن في التصدي لهذه التحديات .

فعلا نحن نعيش أزمة أخرى إلى جانب الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تحدثت عنها،نحن نعيش أزمة سياسية حقيقية ،لأن الأزمة السياسية هي أزمة الثقة بين الأطراف السياسية ،نحن في نظام ديموقراطي والنظام الديموقراطي فيه أغلبية وفيه معارضة ،والبعد الثاني هو أن فيه قواعد اللعبة ،إذا كانت هذه الأطراف لا تتفق على قواعد اللعبة أو لا تحترم قواعد اللعبة يحصل جو من عدم الثقة وهو ما تتولد عنه مظاهر الأزمة السياسية التي نعيشها اليوم بالطبع بعد الانتخابات الرئاسية الماضية.

"أمجاد": بعد اتفاقية دكار!
لقد اتفقنا بعد أزمة طويلة ومجابهة طويلة-والحمد لله مجابهة سلمية-اتفقنا على اتفاق دكار،للخروج بشكل سلمي من هذه الأزمة وكان من المفروض أن تحترم كل الأطراف ما وقعت عليه .
فوجئنا بأن الترتيبات التي اتفقنا عليها في اتفاق دكار تم انتهاكها بشكل ممنهج وشامل من طرف معسكر الجنرال قبل الانتخابات الرئاسية ،حاول الجنرال أن لا يطبق أي شيئ من هذه الترتيبات ،فعلى سبيل المثال اتفقنا على فترة زمنية من 43 يوما ،بحيث يبدأ المساسل الانتخابي بتنصيب حكومة وحدة وطنية يوم السادس يونيو2009 وأن تنتهي العملية يوم 18 يوليو بالانتخابات الرئاسية.
عرقل الجنرال تنفيذ الاتفاقية بثلاثة أسابيع وبعد ذلك حاول الانقلاب على الاتفاقية بإصدار مرسوم استدعاء هيئة الناخبين من طرف واحد وقعه با امبارى والوزير الأول آنذاك ،وهذا بغض النظر عن ما اتفقنا عليه .حصل الأمر يوم الخامس والعشرين يونيو وهذا انقلاب على اتفاقية دكارلأنه لا يريد تطبيق هذه الاتفاقية.
بعد ذلك أبطل المجلس الدستوري هذا المرسوم واستؤنفت عملية المفاوضات ،وجاء سيدي ولد الشيخ عبد الله واستعاد سلطته لفترة رمزية وعين حكومة ،وفي الجلسة الأولى لهذه الحكومة حاولوا فرض نفس المرسوم الذي ألغاه المجلس الدستوري ،لكن نظرا لاتفاقية دكار لا يمكن اتخاذ قرار من طرف واحد ،وبما أن الحكومة قد انقسمت حول الموضوع انقساما تاما، فإن الوزير الأول لم يكن له الحق في أن ينحاز حسب اتفاقية دكار وحسب الالتزامات التي وقعها بيده بأنه سيلزم الحياد بين الأطراف ،إذن هذا الموضوع كان لا يمكن حسمه إلا بالإجماع أوبالتوصل إلى اتفاق ،ماذا حصل ؟ قام الوزير الأول بانقلاب ثان يوم الثامن والعشرين يونيو بإصدار نفس المرسوم ومن طرف واحد ،وحتى أنه لم يحترم المسطرة القانونية لأن استدعاء الناخبين لا يمكن أن يتم إلا من طرف رئيس الجمهورية ويكون موقعا من طرف وزير الداخلية الذي هو الوزير المعني بتنفيذ القرار،تجاهل الوزير الأول هذا لأنه ينفذ توجيهات من خارج الحكومة ومن خارج الإطار الدستوري الموجود ،وهذا هو الذي حصل لأن انتخابات 18 يوليو الماضي كانت نتيجة لانقلاب على اتفاق دكار،والغريب أن المعارضة باركت هذا الانقلاب!!
في الواقع هي حاولت أن تثني الوزير الاول عن هذه المحاولة،لكن نظرا للتدخل السافر من طرف لجنة المتابعة الدولية التي ضغطت على المجلس الدستوري ودفعته أن يتعامل مع هذا المرسوم اعتبرت المعارضة على أساس تحليل خاطئ أن شعبيتها وعزلة الجنرال كفيلتان بإفشال المحاولة وأنه من الأفضل أن نسير قدما نحو الانتخابات.
"أمجاد": إذن هذا اعتراف منكم بالخطأ الذي وقعتم فيه من خلال هذا التصور للأمور
محمد ولد مولود: هذا التصور خاطئ،وكما يقال بالحسانية"ال تخط باب من اشرع يعكب يلحك اعليه"،الاتفاقية يجب الدفاع عنها وعن تطبيقها وعندما يقام بانقلاب عليها يجب رفض هذا الانقلاب ،وكان من الخطأ الثقة المفرطة من طرف المعارضة في تقييم موازين القوى وأن القضية قضية انتخابات وأنها ستكون عموما عادية ،وبالطبع لم تكن عادية ولم تكن الأمور كما تصورنا ،وبالتالي تركنا اتفاقية دكار وراهنا على الانتخابات.
"أمجاد": إذن أنتم تتحملون المسؤولية السياسية عن ما وقع لكم في هذه المغامرة
محمد ولد مولود: لا شك أن المعارضة ارتكبت خطأ فقد كان عليها أن تواجه هذين الانقلابين ،الانقلاب الأول يوم 25 وترفض التعامل مع من وقعوا على ذلك المرسوم أي امبارى والوزير الأول ،عندما تركنا هذا الانقلاب يمر سارت كل الأمور في هذا الاتجاه،لم يلتزموا بالبند المتعلق باللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات ،منعها الوزير الأول من تعيين فروعها ،لم يلتزموا بالفقرة المتعلقة بحياد الإدارة وخاصة الموظفين السامين والعسكريين السامين ،لم يحترموا الاتفاق حول المفوضيات الذي يحظر توزيعات الإسعافات وغيرها لأغراض انتخابية ،لم يجز إلا توزيع إسعافات لأغراض إنسانية وتحت إشراف لجنة وزارية ثلاثية ممثلة فيها المعارضة بوزيرين من بين ثلاثة،لكن الوزير الأول منع تنصيب هذه اللجنة الوزارية .
كذلك قلصوا فقرة أساسية تتعلق بالإحصاء الانتخابي واللوائح الانتخابية ،وكانت هي الضمانة الأساسية لكل العملية فلم تحترم،وقلصوا فترة التسجيل الانتخابي والمراقبة عليه ،وبالتالي كل الضمانات الأساسية الواردة في اتفاقية دكار إما تجاهلوها وإما أفرغوها من أي محتوى ولم تتمكن المعارضة من الرد المناسب على هذه التجاوزات وهذه الانتهاكات ،ولذلك يمكن القول إن اتفاقية دكار ماتت يوم الثامن والعشرين يونيو 2009 مع تنصيب الحكومة آنذاك،وكانت الانتخابات الرئاسية تجري في وضع خارج اتفاقية دكار طبقا لإرادة الطرف الآخر الذي هو معسكر الجنرال والانقلاب على الديموقراطية.
بعد الانتخابات كان واضحا أن الثقة قد تحطمت تماما بين الفرقاء،وطالبنا بلجنة تحقيق لتبديد الشكوك الحاصلة ،كان من المفروض أن يقبلوا بلجنة تحقيق تراجع اللائحة الانتخابية وتفتح بعض صناديق الاقتراع للتأكد من أن الأمور جرت كما ينبغي .
اعترضوا على هذا المطلب مع أنه في العادة مطلب يلبى في كل البلدان ،فعندما تكون هناك مطالبة بالتحقيق يلبى هذا المطلب إلا في موريتانيا،بعد ذلك طالبنا بتطبيق الجزء الآخر من اتفاقية دكار،ما نصت عليه الاتفاقية بعد الانتخابات الرئاسية وهو الفقرة الرابعة-النقطة السابعة وهي تنص على مواصلة المفاوضات والحوار بين الأطراف حول العلاقة بين المعارضة والسلطة ،لتكون هنالك علاقة طبيعية، حول وضعية القوات المسلحة وقوات الأمن في النظام الديموقراطي ،حول الحكم الرشيد ومكافحة الفساد ،كذلك حول الانتخابات والنظام الانتخابي ،وكل الأمور التي تتعلق بالوحدة الوطنية والمصالحة ،هذا هو جدول الأعمال الذي حدد في المادة الرابعة لمواصلة الحوار،اتفقنا على الحوار بعد الانتخابات الرئاسية واتفقنا على جدول أعماله ،وفي الواقع لم يبق إلا الإرادة السياسية لتطبيق هذه التوجهات.
"أمجاد": ماذا يعطل هذه المكاسب اليوم ،لماذا لم تطلبوا اللقاء مع السلطة لتفعيلها الآن؟
محمد ولد مولود: طلبنا تطبيق هذه الفقرة ابتداء من أول تصريح قيم به من طرف الجبهة ،وبعد ذلك الجبهة والتكتل والمنسقية طالبنا وكررنا المطالبة بتطبيق اتفاقية دكارفي ما يعني الفقرة الرابعة النقطة السابعة ولا زلنا نطالب بذلك ،بالطبع نحن في نظام أصبحت السلطة عند طرف وهو المسؤول عن تنظيم هذا الحوار وهوقادر على ذلك ،نحن طالبناه بذلك إلا أن التنفيذ لا يمكن أن يحصل إلا إذا كانت هناك الإرادة السياسية في الطرف الآخر وباشر أيضا القيام بهذا الحوار،لكن أضيف أنه في الفترة الأخيرة أراد النظام الحاكم أن يناور وأن يبدي استعدادا للحوار،لكنه لم يوفق في ذلك فنظم أياما تشاورية داخلية ،وأرادها أن تكون بديلا للحواروهذا بالطبع ازدراء بالآخرين ،وكذلك برامج تلفزيونية أرادها أيضا مظهرا للحوار ،مع ذلك وردا على استدعائه لنا لأيامه التشاورية وجهنا له رسالة رسمية وأنا وقعتها باسم المنسقية نبدي فيها استعدادنا للحوار وعرضنا لتنظيم لقاء تحضيري لهذا الحوار.
"أمجاد": الحوار مع من تحديدا وماهي ملامحه؟
محمد ولد مولود: نحن تلقينا رسالة من طرف الأغلبية التي كانت تنظم حينها أيامها التشاورية ،وكان ردنا بعرض تنظيم لقاء تحضيري كما قلت لهذا الحوار،أي أننا ذكرناهم أن الحوار لا يمكن أن يكون إطاره نقاشا داخليا لأي طرف من الأطراف ،وثانيا أن هنالك إطار محدد من طرف اتفاقية دكار،وأن جدول الأعمال قد حدد فيه وأن الأطراف قد وقعت على هذا الحوار ولم يبق إلا تنفيذه ونحن جاهزون لذلك ونطلب منهم أن ننظم لقاء تحضيريا بين الأغلبية والمعارضة لمباشرة هذا الحوار وحتى الآن لم نتلق أي رد.
"أمجاد": أنتم تريدون الحوار مع ولد عبد العزيز تحديدا وليس مع الأغلبية
محمد ولد مولود: الحوار بالطبع هو مع السلطة ،نحن في نظام رئاسي السلطة هي سلطة رئيس الجمهورية
"أمجاد": ولكن الرسالة وصلتكم من الأغلبية
محمد ولد مولود: بالطبع ولكن الأغلبية هي أغلبية من ؟،هي الأغلبية الرئاسية ،لكن هنا لابد أن يكون هناك طرف مسؤول وهو الطرف الحاكم وهو رئيس الدولة الآن ،لكن في تنفيذ الإجراءات العملية لهذا الحوار بالضرورة أن تجري العملية في أطر مختلفة ،هنالك لجان تحضير هنلك لجان ورشات ،لكن في النهاية الحوار هو مع من يحكم .
"أمجاد": لم يسبق أن جرى بينكم في المعارضة وبين رئيس الجمهورية أي لقاء مهما كان حتى ولو كان لقاء وديا عاديا مثلا كما هو مألوف في السابق؟
محمد ولد مولود: هذا انتهاك آخر من طرف السلطة الحاكمة لمبدأ الحوار ،قانون المعارضة ينص في مادته الثانية عشر أن رئيس الدولة يستقبل مرة على الأقل كل ثلاثة أشهر الزعيم الرئيسي للمعارضة ومجلس إدارة هيئة المعارضة ،ومنذ انتخابات الثامن عشر يوليو حتى الآن لم يتم تنفيذ هذا النص ،لا نعرف لماذا ؟هل رئيس الدولة لا يعتبر نفسه رئيس جمهورية أو لا يعتبر أن هنالك معارضة أو ليس له علم بأن هناك قانون للمعارضة لم يطلع عليه ،لا نعرف لكن ما حصل هو انتهاك واضح لهذه المادة.
أظن أن مشكلتنا الكبيرة في هذا البلد هي تجاهل النصوص والقوانين من طرف السلطة القائمة .
"أمجاد": كان اللقاء الوحيد الذي جمعكم شخصيا بالرئيس ولد عبد العزيز بعد اتفاق دكار هو جلوسكم بجانبه في قصر المؤتمرات عشية التوقيع على هذا الاتفاق في نواكشوط بحضور الرئيس السينغالي عبد الله واد،كان ملفتا للجميع تبادلكم لأطراف الحديث وبشكل عادي وكأنكم لم تكونوا غرماء له بالأمس القريب في معركة طويلة هل تتذكرون مادار في هذا الحوار العابر؟
محمد ولد مولود:(ضاحكا) إن كان ذلك يدل على شيئ فإنما يدل على أنه ليست هناك أي صعوبة شخصية في استئناف الحوار مباشرة مع رئيس الدولة الحالي ،وكان من الممكن أن يتواصل مشوار الحوار لتبديد كل الخلافات وللتغلب عليها جميعا .
"أمجاد": ماهي رؤيتكم للحلول بخصوص المعضلات والتحديات التي تحدثتم عنها على مختلف المستويات الاقتصادية والسياسية،وكيف تنظرون إلى الإشكاليات الأمنية التي تواجه البلد اليوم خاصة تحدي الإرهاب والتطرف من أجل تعزيز وتقوية الجبهة الداخلية؟أليس من واجبكم في المعارضة وفي هذا المجال بالذات مد يد العون للسلطة حتى لا تغرق السفينة بنا جميعا أمام هذه المخاطر التي تواجهها أيضا دول في المنطقة؟
محمد ولد مولود: من الملح أن نتجاوز أولا الأزمة السياسية الر اهنة ،من الملح أن نباشر الحوار وليس الحوار مجهول المعالم أو الذي سندخل لتحضيره أو لتحديده في مناظرات وفي نقاشات لا نهاية لها ،بل الحوار كما اتفقنا عليه في مرجعية دكار ،هذا يجعل الأمر سهلا لأن هناك ما وقعنا عليه جميعا كالتزامات أخلاقية أمام الملأ.
ثانيا من الضروري أن يكون هذا الحوار كما ينص عليه اتفاق دكار هدفه توطيد الوحدة الوطنية وتوطيد المصالحة الوطنية ،أي المصالحة بين الأطراف السياسية حتى يكون هناك جو من الهدوء السياسي يخلق ظروف مواتية لمواجهة التحديات ،مادمنا منشغلين بصراعنا الداخلي البلد سيكون مشلولا ولن ينجح في مواجهة لا تحدي الفقر ولا تحدي شبكات المخدرات ولا تحدي التطرف العنيف.
كل هذه الأمور لا يمكن مواجهتها إلا بتقوية الجبهة الداخلية،والجبهة الداخلية تعني الحوار والتفاهم والتسامح ،ولا يمكن مواجهتها أيضا إلا بتقويم وإصلاح القطاعات الاقتصادية المرتبطة بسياسات محاربة الفقر،وفي ما يعني مكافحة المخدرات والعنف المسلح يجب أولا إصلاح جهاز الأمن وإصلاح القوات المسلحة بتخليصها من الرشوة وتخليصها من كل ما يثبط عزائمها ويهبط بقدراتها الكفاحية ،وفي نفس الوقت النهوض بها من ناحية التكوين والرفع من المستوى المعيشي لأصحابها واحترام القوانين المتعلقة بالنظام العسكري ،وترقية أوضاعها المهنية ،كل هذه الأمور تتطلب وضعا سياسيا هادئا.
لا يمكننا أن نحظى بدعم الآخرين وخاصة الشركاء الاقتصاديين إلا إذا كانوا مطمئنين بأن البلد في استقرار سياسي وبإمكانهم الاستثمار فيه أو مساعدته على الأقل.
من الضروري أيضا أن نهتم بالحوار كطريقة للإقناع بصفة عامة ،أنا كنت أنظر نظرة إيجابية لعملية الحوار مع السلفيين الذين لم يقوموا بأعمال عنف ولكن لهم مواقف ،لكن لم أجد في ذلك سياسة .
"أمجاد": لكن النظام فتح باب الحوار مع هؤلاء داخل السجن وترككم في المعارضة خارج السجن ،أليست هذه مفارقة في ثقافة الحوار الوطني اليوم؟
محمد ولد مولود: هذه مسألة غريبة فعلا ،ولكن مأخذي الشخصي على السلطة في هذا المجال ليس في أنها بادرت بالحوار مع السلفيين وتركت السياسيين،مأخذي عليها الرئيسي هو عدم الجدية في هذا كله ،الحوار مع السلفيين ليس جديا ،كل الأعمال التي تقوم بها السلطة هدفها الاساسي إعلامي وظرفي ،وبالتالي لا تعبر عن سياسة لها أهداف متوسطة أو بعيدة وما هو معلن لا يعبرأيضا عن النتيجة التي يعملون من أجل الوصول إليها.
هذه هي المشكلة المظهر في واد والأهداف الحقيقية في واد آخر .
"أمجاد": يرى بعض المراقبين المحليين أن أزمة الثقة بينكم في المعارضة وبين السلطة والموالاة عموما والتي ما زالت تعيق الحوار السياسي الذي تطالبون به،هو أنكم ترفضون الاعتراف بنتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة ،ومازلتم تطالبون بإنشاء لجنة تحقيق حولها ،هل يمكنكم التخلي عن هذا المطلب مقابل الدخول في حوار سياسي مع السلطة في المجالات الأخرى؟
محمد ولد مولود: علينا أن نفرق بين مسألتين أن نفرق بين موقف أحزاب المعارضة من الوضع القائم فيما يعني التعامل معه أو عدم التعامل معه ،وبين موقف أحزاب المعارضة من الانتخابات الرئاسية كما حصلت.
التعامل مع الواقع الراهن نحن حسمناه من أول أسبوع عندما أصدر مرشحو المعارضة بيانا قالوا فيه إنهم أخذوا علما بقرار المجلس الدستوري ،فهذا يعني أنه بعد المقاضاة أمام المجلس الدستوري وبعد حكم المجلس الدستوري لم يبق أمامنا إلا التعامل مع الواقع القانوني الحاصل على أساس هذا الحكم.
هذا أمر حسم وتجسد هذا الموقف في تعامل برلمانيي المعارضة مع الحكومة الراهنة،لم يتجاهلوها انتقدوا القوانين من وجهة نظر جمهورية ،إذن هم عبروا ومارسوا التعامل مع المؤسسات القائمة ومع الشرعية القائمة ،هذه كما قلت مسألة محسومة ولا يتجاهلها إلا من يريد أن يبحث عن ذريعة لعدم الدخول في الحوار.
شيئ آخر هو اعتبارنا أن الانتخابات الرئاسية الماضية جرت في ظروف غامضة وغير شفافة وهذا قائم على قرائن واضحة ،الأولى منها هو عدم احترام ضمانات اتفاقية دكار كما ذكرت آنفا وهذا الانتهاك يثير لدينا الشك في أن عملية الانتخاب جرت بشكل نزيه،ولذلك طالبنا بلجنة تحقيق ،ورفض لجنة التحقيق زاد أيضا من شكوكنا حول هذه النتائج،الآن مالحل لتبديد شكوكنا ؟ ؟أريد أن أؤكد أن القضية قضية إقناع المعارضة ،إذا كانوا يريدون أن يقنعونا بأن الأمور عادية ولا داعي للقلق ،فلا مفر من إحدى طريقتين:
الأولى:تعيين لجنة تحقيق نزيهة ومستقلة وتراجع اللوائح الانتخابية التي استخدمت ،وتفتح صناديق الاقتراع وتصدرخلاصتها حول الموضوع.
الثانية:أن ندخل في حوار ونتفاهم ونتصالح ونقرر أن نتناسى الماضي ،وبالتالي لن تكون هناك أيضا مشكلة .هم رفضوا الأولى ويحاولون التملص أيضا من اتفاقية دكار بالنسبة للثانية.
"أمجاد": اتهمكم أنتم شخصيا محمد ولد مولود رئيس حزب الاتحاد من اجل الجمهورية محمد محمود ولد محمد الامين في حوار أجرته معه مؤخرا يومية"السفير"بأنكم تعطون صورة سوداوية عن الواقع،وأن الحكومة تقوم بأداء جيد ،ولا داعي للمناورة السياسية فاللعبة الديموقراطية حسمت ،وتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود ،وعرف الناس الغالب والمغلوب.
محمد ولد مولود: هم في تناقض كبير لماذا يعرضون علينا الحوار إذا كانت الأمور عادية وطبيعية ،الحوار ضروري لان هناك أزمة وهناك مشاكل على الأقل ،هناك مشاكل سياسية بين الأغلبية والمعارضة ،إذن لا يمكن اعتبار أن الوضع طبيعي وعادي ،فبمجرد أن تكون هناك أزمة ثقة ناتجة عن الانتخابات من الضروري علاجها ومن الضروري تجاوزها ،إما أن نعالجها بإظهار الحق بالتحقيق حول ماحصل وهذا جرى في كل البلدان التي شهدت جدالا بخصوص الانتخابات التي تمت فيها ،وإما أن نتجاوز الازمة السياسية بحوار يفضي إلى اتفاق حول قواعد تعامل سياسي جديد أو حول حلول سياسية جديدة.
إن أرادوا الأولى فنحن مستعدون لحل الازمة السياسية وقد طالبنا بذلك غداة الانتخابات الرئاسية،وإن أرادوا الثانية فنحن مستعدون ولكنهم في السلطة وعليهم تنظيم هذا الحوار،وأكثر من ذلك نحن وجهنا لهم رسالة في شهر يناير ردا على عرضهم طالبناهم فيها بالدخول مباشرة في تهيئة اللقاءات حول تطبيق اتفاقية دكارفيما يخص الحوار،إذن لا نعرف بالتحديد لماذا لا يريدون تطبيق البند الرابع ،النقطة السابعة في اتفاق وقعوا عليه ،فلماذا يوقعون على هذا الاتفاق أصلا.
"أمجاد": بعض المحللين يرى أنكم لم ترسلوا إشارات مطمئنة للسلطة الحالية تسهم في تهدئة الأجواء السياسية وتمهد للحوار والتقارب،وذلك أساسا من خلال الحملات والنشاط المكثف لحزبكم اتحاد قوى التقدم ومنسقية المعارضة عموما التي ما فتئت تهاجم النظام حتى نفد صبره أو كاد ،كيف يسهل الحوار في ظل الهجوم والاتهامات المتبادلة في بعثاتكم لمدن الداخل وفي مهرجاناتكم بنواكشوط،متى تضع هذه الحرب أوزارها بين المعارضة والسلطة ؟
محمد ولد مولود: هم قالوا إننا في وضع ديموقراطي فكيف نطالب بالحد من قيامنا بدورنا كأحزاب معارضة؟ نحن حزب معارضة ينتقد ويقترح ويتحرك ويعبئ الجماهير ،فما المأخذ علينا في كل هذا ؟نحن نقوم بدورنا .
"أمجاد": هذا يقودنا أيضا إلى الحديث عن المنسقية الجديدة للمعارضة ماذا؟ وإلى أين؟
محمد ولد مولود: هناك فرصة حقيقية للدخول في حوار جاد ليس فقط لأن هناك قطبان سياسيان لكل من الاغلبية والمعارضة ،وإنما لأن الوضع ينذر بالانفجاروكل منا لا يريد أن تسير الأمور في اتجاه غير محسوب،فإذن مللنا ومل الشعب الموريتاني الصراع السياسي العقيم الذي لا يؤول إلى نتيجة والذي لا يدور حول الهموم الاساسية للوطن وللشعب،وبالتالي لم يعد أحد منا بمقدوره أن يخدع الآخرين ،جربت كل المحاولات وكل المناورات وأصبح من الواضح أن الفعالية تقتضي الصراحة والمباشرة في الأمور حتى نتجاوز هذه المشاكل.
"أمجاد" : أنتم في المعارضة ضد القانون الجديد الذي صادق عليه البرلمان لمكافحة الإرهاب،وأخيرا قام المجلس الدستوري بإبطاله تقريبا من خلال الإعلان عن عدم دستورية العديد من مواده الأساسية ،وهو ما أثار حفيظة السلطة والاغلبية معا ،بعد هذا القرار ماهو تعليقكم في هذا السياق؟
محمد ولد مولود: أظن أن المجلس الدستوري شرف دوره باتخاذ هذا القرار،من الواضح بالنسبة لكل المراقبين وبالنسبة لكل الاطراف السياسية والأطراف الفاعلة في البلد أن هذا القانون صمم بإيعاز من الخارج بهدف إقحام موريتانيا في صراع غير محدود ومطلق ضد بعضها البعض،فعندما يسمح للأمن –ونحن نعرف أوضاع قوى الأمن الراهنة ونقاط ضعفها – عندما تخول إمكانية التحكم والتصرف في حريات المواطنين وفي حريات الأفراد -بمجرد إحكام البلد بيد من حديد ،هذا يعني فقط استفزاز ردود فعل من كل الأشكال ومن كل الأوساط قد تؤول إلى اضطرابات خطيرة بالنسبة للبلد .
ونحن نعرف بأن الجهات الخارجية لا تريد من الدول التي تطرح فيها مشكلة الإرهاب ومشكلة التطرف الديني إلا أن تكون وكيلا لها في حربها الخاصة بها مع القاعدة،نحن لا نريد أن نكون واجهة لأي دولة أجنبية ولا أن نجر بلادنا في صراعات نيابة عن الآخرين ،ولذلك علينا أن نكافح التطرف بوسائلنا وحسب ظروفنا ،وبالطبع نحن موقفنا ضد أسلوب الإرهاب ،لكن علينا أن لا ننجر إلى دور ليس دورنا .
فيما يعني القرار الذي اتخذه المجلس الدستوري ،في الحقيقة أنقذ موريتانيا وأنقذ الحريات العامة ، لذلك أنا أشكر أعضاء المجلس الدستوري على هذا القرار.
هذا القانون الذي رفضه المجلس الدستوري له دلالة ،إذ يأتي بعد اعتقال رجال الأعمال وبعد اعتقال الصحفيين ويندرج في سياق إرساء نمط جديد من النظام للحكم له معالم الحكم الشخصي ،والحكم الشخصي العنيف ،الذي يبحث عن آلية وتشريع لخنق الحريات واستخدام كل الأساليب غير المشروعة كالتصنت واختراق المنظمات السياسية ،واستخدام كل الأساليب البوليسية غير المشروعة كنظام حكم شرعي .
إذن كنا نتجه بهذا القانون نحو إرساء نظام بوليسي وليس نظام ديموقراطي وهنا نتساءل لماذا أصحاب الإصلاح يبحثون عن إرساء نظام شخصي ونظام بوليسي ؟ وعلينا أن نبحث معهم وأن تبحثوا معهم هذه القضية ،فمحاولاتهم المتكررة للتطاول على الحريات وعلى النظام الديموقراطي وتنصيب سلطة شخصية مطلقة يعني أنهم في الحقيقة غير مقتنعين بالنظام الديموقراطي ويبقون متشبثين بالسلطة العسكرية الناجمة عن الانقلاب العسكري الماضي .
"أمجاد": فيما يتعلق بالمنسقيتين الجديدتين للاغلبية والمعارضة ،يرى البعض أن المشكلة تكمن في عدم تطور الممارسة السياسية الموريتانية ووضوح الرؤية ،بمعني ان الولاء الاعمى والروح المصلحية هي معيار اتجاه البوصلة هنا أو هناك،وبالتالي يمسي الرجل معارضا ثم يصبح مواليا وقد يحدث العكس ما رأيكم؟
محمد ولد مولود: نحن انتقدنا النظام السابق قبل 2005 ونعرف ملامح ذلك النظام وهي وجود سلطة شخصية ،وتهميش لقوى المعارضة ،ووجود حاشية مستعدة للتصفيق بالدوام وبوتيرة متزايدة ،هذه هي معالم النظام السابق ما قبل 2005 ،فلنقارن بها النظام الراهن،سنجد أن الحكم الآن متمركز عند شخص واحد ،ونجد أن كل مستويات السلطة سلبت من مسؤوليتها ولا يمكن لها التصرف ،وكما قلت آنفا هذا من أسباب الشلل الذي يعاني منه البلد .
المسألة الثانية أن الأغلبية الراهنة مطلوب منها التصفيق والتصفيق فقط،طبعا للأسف هي تتجاوب مع هذا المطلب رغم التجربة التي مرت علينا ،ورغم الصحوة التي لاحظناها في الساحة السياسية إبان المرحلة الانتقالية الأولى ،وإبان فترة الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله ،ورغم أن هناك أوساطا من السلطة السابقة شرفت نفسها بالتخلص من هذا الموقف وبالتصدي للانقلاب وبالدخول الآن في المعارضة ،فهناك أحزاب كانت مثلهم في الأغلبية ما قبل 2005 ،وكانت مجبرة على التصفيق وعلى التأييد ،لكن بعد المرحلة الانتقالية وبعد تذوق الديموقراطية وبعد الشعور بأن هناك فرصة حقيقية لتغيير الأوضاع في البلد ،لم يعد مسموحا بالردة السياسية ،بالرجوع إلى هذا المنطق القديم وهذا مأخذ كبير على هذه الاغلبية .
"أمجاد": التقيتم قبل فترة ببعثة من الاتحاد الاوروبي تضم عددا من البرلمانيين والسياسيين المهتمين بالمسار الديموقراطي في موريتانيا ،ماهي القضايا التي بحثتم مع هؤلاء وكيف وجدتم تقييمهم لما بعد اتفاق دكار؟
محمد ولد مولود: الاتحاد الأوروبي اتصلوا بنا وكان هناك وفد برلماني يريد التعرف على موقفنا من الاوضاع السياسية وخاصة من الحوار ،وأعربنا لهم عن استعدادنا للحوار على أساس اتفاقية دكار وعبرنا لهم أيضا عن مآخذنا على المجموعة الدولية في تنكرها لواجبها على الأقل في توضيح الامور وعدم السماح بانتهاك اتفاقية دكار ،فعلا كانت المجموعة الدولية ممثلة هنا بمجموعة المتابعة المشكلة من السفراء المعتمدين في نواكشوط ،لعبت دورا غير لائق في تأييد جناح الجنرال وفي تجاهل الانتهاكات التي أبدينا احتجاجنا عليها إبان المرحلة الانتقالية الأخيرة ،وطالبنا بان تكون المجموعة الدولية على الأقل تحترم توقيعها فهي وقعت على اتفاقية دكار ،ولا يليق بها أن تتجاهل هذه الاتفاقية كما يتجاهلها النظام .
وفي هذا المضمار من الملاحظ أن الاتحاد الأوروبي كان هو أفضل الاطراف في احترام الاتفاقية ،إذ عبر غداة الانتخابات الرئاسية بضرورة التحقيق في النتائج وتريث أيضا في تطبيع علاقاته مع النظام حتى يتضح له أن هنالك فعلا رجوع للأمور إلى نصابها الحقيقي. وعموما الاتحاد الأوروبي يقوم بدور إيجابي فهو يريد استئناف التعاون الاقتصادي مع موريتانيا وهذا نريده جميعا،وهو مطلوب نظرا للازمة الراهنة التي تعيشها البلاد وفي نفس الوقت يريد أن يكون لذلك أفق حقيقي بترتيب الأمور خاصة بتطبيع العلاقة بين المعارضة والسلطة وبإرساء الحوار وبتطبيق اتفاقية دكار،وهذا أعتبر أنه موقف إيجابي وسننتظر في المستقبل كيف سيتطور هذا الموقف نحو الأحسن.
"أمجاد": وبخصوص لقاء بروكسل المرتقب في مايو المقبل بين الجانب الموريتاني والاتحاد الاوروبي،قد تتضح الصورة أكثر
محمد ولد مولود: أظن ان السلطة تراهن على الحصول على تمويلات في هذه الطاولة المستديرة ،وعندما تحصل عليها تعتبرأنه لم يعد من اللازم احترام اي عنصر من القضايا السياسية التي التزمت بها.
نحن مندهشون من دأب النظام على الالتزام،والالتزام بشكل رسمي وتوقيع التزاماته بشكل علني ،وعندما يحصل على ما يريد يتنكر لذلك التوقيع ولتلك الالتزامات ،وهذا حصل في التزامات امام الاتحاد الأوروبي في 2005 ،وحصل مع اتفاقية دكار وقد يحصل في المستقبل إذا لم ينتبه النظام إلى ان هذه الطريق لا يمكن ان تاتي بثمار دائمة،ومن الافضل ان لا يكون الدافع الاساسي للنظام نحو الحوار والاستعداد للحوار فقط لرفع عقبة سياسية أمام حصوله على تمويلات اوروبية.
من الافضل ان يكون الهدف هو تحقيق اتفاق سياسي وطني يجعل البلد في أحوال سياسية هادئة ويخلص طاقات البلد واهتماماته للتحديات الاساسية.
"أمجاد": تبدأغدا ال15 مارس الإضرابات العمالية التي دعت إليها مجموعة من المركزيات النقابية ،أنتم في المعارضة كيف تنظرون إلى ضجة مرسوم العلاوات الخاصة بالسكن والنقل والتي أدت إلى تنظيم هذا الإضراب أو الدعوة إليه؟
محمد ولد مولود: أولا فيما يعني الإضراب والتحضير له هذا حق لا يجوز لنا ولا يجوز لأي طرف سياسي الاعتراض عليه أو التدخل في شأنه لأن الحق النقابي مضمون من طرف الدستور ومن طرف كل القوانين ،وعلى القوى السياسية أن تبتعد عن التدخل في هذا الشأن .
فيما يعني قضية العلاوات أظن أن الحكومة تقدم على اتخاذ كثير من القرارات وتفتح الكثير من الملفات ،وكل هذه الملفات تفتحها بدون دراسة ومن أجل القيام بإجراء محدد وضيق وغير مدروس وتتجاوز إلى ملف آخر وإلى قضية أخرى ،وهناك إذن خلبطة وارتجالية لا أعرف هل هي لأن الوزارة الأولى والحكومة تنقصها التجربة ولم تجد مساعدين إداريين أكفاء نظرا لتصفية الكفاءات التي حصلت بالتعيينات المتواصلة ،لا أعرف،أو أن السبب هو في مبادرات رئيس الدولة الذي لا يترك للحكومة فرصة للتفكير والتخطيط ،والذي يقوم بمبادرات مضطربة وعلى كل الجبهات يشتت اهتمامها ويربكها في النهاية ،إذن إما أن الإرباك ناتج عن المبادرات المتشعبة لرئيس الدولة ،والتي يراد لها التنفيذ المباشر وبدون دراسة أو لغياب الكفاءات وأصحاب التجربة الإدارية.
على كل حال المهم هو أن هذا الإجراء بني على باطل وهو محاولة إيهام الشغيلة الوطنية بان هناك سياسة لتحسين ظروفها،وأن الرواتب سترتفع ارتفاعا معتبرا إلى غير ذلك من الدعاية ،التي لا تقوم على أسس مدروسة وحقيقية ,وعند التنفيذ اتضح أن هذا الأمر لا يمكن تنفيذه بهذه السهولة ،وهكذا أرادوا أن يتراجعوا بدون الاعتراف بأخطائهم وبدون الاعتراف بذنبهم وعلى حساب الموظفين.
بالطبع هذا كله من أسباب الأزمة التي هي في الحقيقة قائمة ايضا على تدهور كبير لمستويات المعاش والقدرة الشرائية لدى كل الموظفين. وإذا كانت القضية تدل على شيئ فإنما تدل على أن الدولة الآن في أيدي مضطربة ،وتدار شؤونها في غياب أي سياسة وأي توجيه وبالتالي قابلة لأن تواصل هذا التلاعب بمصالح المواطنين وبمصالح البلد لأغراض دعائية لكن بتكلفة باهظة بالنسبة للبلد.
"أمجاد": على الصعيد الدبلوماسي قامت موريتانيا باستدعاء سفيرها مؤخرا من مالي للأسباب المعروفة ،كيف تنظرون في المعارضة إلى أبعاد هذه الأزمة؟
محمد ولد مولود:
نحن نعتبرأن الارتجالية والتخبط الذي يطبع السياسة في الداخل مع الأسف يطبع أيضا السياسة في الخارج،لكن التعامل مع الخارج تترتب عليه مخاطر أكبر فلا يمكن التعامل مع الجيران ومع الدول الأخرى بغياب المسؤولية وغياب رؤية واضحة ،لمجرد أغراض دعائية . تسيير العلاقات الدولية لأغراض دعائية هذا خطير جدا ،تارة يقال لنا نحن مع معسكر الممانعة وتارة نشاهد أننا تحت إمرة معسكر الغرب ،ونشاهد تلاعبا في العلاقات والتوازنات الإقليمية التي ضمنت لموريتانيا استقرارا في مسألة الصحراء ،ونلاحظ الآن تكرارا للأخطاء التي حصلت في التسعينات مع السينغال،أي التلاعب بمسائل الحدود والعلاقة مع الجيران وكأن الأمر أمر دعائي .
هذا كله خطير إلى أقصى درجة ومن اللازم على السلطة أن تعي أن العلاقات مع مالي علاقات حيوية بالنسبة للموريتانيين،كل القطاعات أهملوها أهملوا الزراعة ،أهملوا السياحة ،أهملوا الصيد ،كل القطاعات الإنتاجية متوقفة .
قطاع الإنتاج الوحيد الذي تعيش عليه موريتانيا الآن هو التنمية الحيوانية،والتنمية الحيوانية مستحيلة بدون مراعي مالي ،إذن عندنا حاجة استيراتيجية في أن تبقى علاقاتنا مع مالي علاقات ودية وعلاقات صداقة ،وكل الخلافات مع مالي يجب أن تدرس وأن يتعامل معها على هذا الأساس .
على سبيل المثال أقول لك إن منطقة الأحواض (الحوضين)اضطرت قبائلها للاستسلام للاستعمار الفرنسي في نيورو في 1898 أي سنوات قبل دخول القوات الفرنسية لمجرد الحصار الذي فرض عليها بالنسبة للولوج إلى مراعي مالي وإلى اسواق مالي
المسألة هنا خطيرة جدا وهذا لا يعني أننا لا نفرض احترام مصالحنا واحترام الاتفاقيات مع مالي ،وان تكون هناك علاقة توازن واحترام متبادل،لكن لا نبحث ابدا عن اختلاق المشاكل والتوترات مع الجيران.
المصدر موقع مركز أمجاد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق