إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

السبت، 28 أبريل 2012

رئيس المركز الموريتاني للبحوث والدراسات الإنسانية لنوميديا نيوز: مالي اجتمعت فيها كل عوامل الصراع الإفريقي



قال الباحث الموريتاني "محمد ولد محمد فال" رئيس المركز الموريتاني للبحوث والدراسات الإنسانية، إن جمهورية مالي اجتمعت فيها كل العوامل التي أدت في الغالب إلى الصراع في الدول الإفريقية .

وأضاف ولد محمد فال، وهو أستاذ علم الاجتماع بجامعة نواكشوط، في مقابلة خاصة مع مدير مكتب "نوميديا نيوز" في نواكشوط، إن هذه العوامل تتلخص في أربعة عناصر وهي الهوية العرقية في مواجهة الهوية الوطنية و السياسات الاستعمارية و إخفاق مشروع الدولة الوطنية الى جانب العولمة ودور العوامل الخارجية.
ورأى الباحث الموريتاني، أنه من الصعب أن تجازف الدول الغربية بالتدخل في الشمال المالي بعد مستنقع الصومال والعراق وأفغانستان، وهي ستكون مستعدة لأي دعم لوجيستي تقدمه لدول الميدان، بهدف العمل على تحقيق استقرار الإقليم وازدهاره كفكرة قابلة للتسويق دوليا، في ظل احتلال هذه التنظيمات، التي ذكرتم له في السنوات الأخيرة خاصة بعد التطورات المتلاحقة وبعد فشل الحكومات المالية المتعاقبة في السيطرة عليه، وفي اعتقادي فإن الحرب الحالية متعلقة بهدفين أساسيين بالنسبة للدول التي تخوض العمل العسكري والأمني الهادف لاستئصال القاعدة في المنطقة.
نص المقابلة:
 1 ـ كيف تقرأ ما يحدث في شمال مالي؟
شكرا جزيلا لكم  على المقابلة ..
شهدت منطقة الساحل وتشهد في الفترة الأخيرة تحولات خطيرة ومتعددة الأوجه، يتداخل فيها الإرهاب والتنظيمات المسلحة مع الصراعات المطلبية، وتتسبب في الكثير من المشاكل التي تتجاوز انعكاساتها الحدود القطرية لدول المنشأ لتطال دول الجوار، وقد تمتد آثارها إلى ابعد من ذلك، ولعل الاعتراف بتسارع وحدة الإشكالات الأمنية بهذه المنطقة والإيمان بترابطية انعكاساتها يؤسس للبحث في جذور هذه الأزمات لسبر أغوارها  بغية استشراف مألاتاها وعلى الرغم من تعدد الاتجاهات النظرية في دراسة أسباب الصراعات الإفريقية، عموما فإنه يمكن الإشارة إجمالاً إلى المتغيرات الأربعة الأساسية ممثلة في الهوية العرقية في مواجهة الهوية الوطنية والسياسات الاستعمارية وإخفاق مشروع الدولة الوطنية، ناهيك عن العولمة ودور العوامل الخارجية.
كما يمكن إجمال أنواع الصراعات في الدول الإفريقية في الأنماط التالية:
1 نمط الصراعات العرقية العنيفة؛ كما حدث بـ (منطقة البحيرات العظمى)  
 2  نمط العنف السياسي المرتبط بالتحول الديمقراطي كالكوت ديفوار، وأنجولا، وبوروندي.
3 نمط الدولة المنهارة : مثل الصومال وانضافت إليها مالي التي اجتمعت فيها كل المتغيرات السالف ذكرها تقريبا، وقد استقلت جمهورية مالي في عهد الرئيس الكاريزمي  مديبوكيتا 1960، وقد ضمت آنذاك ولايتي كيدال وتونبكتو اللتين تشكلان أكثر من ثلث أراضي البلاد، وقد أحس الطوارق حينها بالخطر الذي يتهددهم وبدؤوا ثورتهم في العام 1961، انطلاقا من كيدال، ولم تستطع الجمهورية الوليدة أن تتغلب على الفقر والجهل والأمية والتخلف، بسبب هشاشة البنية التحتية واتساع  الأرض وجفافها وسوء التخطيط الاقتصادي، وأيضا بسبب عدم التوازن فى التنمية بين المركز (الجنوب)! والأطراف في الشمال المالي، فلم يقم الحكام الماليون منذ الاستقلال حتى الآن ببناء جسور الثقة والأمل التي تحتاجها دولة متعددة الأعراق والقوميات، ومالت كفة التنمية فيها لصالح العاصمة ومدن الجنوب فطفق سكان الشمال يبحثون عن صيغ مختلفة لإسماع صوتهم طلبا للاستقلال رغم شح الوسائل وصعوبة المطلب.
وكي لا يطول بنا سرد كرونولوجيا الأحداث في الشمال المالي، فإننا نشير إلى أن مالي استطاعت بعد ذلك مجددا إبرام معاهدة تمنراست الثانية (11 أبريل/نيسان 1992)، وقد مكنت تلك الاتفاقية من تحجيم  سقف المكاسب الطوارقية إلى مستوى اللامركزية ومنح الإقليم نصيبا من التنمية، إضافة لإنشاء مكتب لشؤون الشمال في باماكو لتفعيل بنود الاتفاق والعمل على استيعاب وتشغيل إطارات الطوارق، وقد كان هذا اللغم كافيا ليكون شرارة خلافات عميقة اندلعت داخل الجبهة التي وقعت الاتفاق بعد ذلك بقليل، مما قاد العديدين من أبناء المنطقة لتأسيس تنظيمات وأجنحة عديدة. ولم يغب عن تلك الاحداث كلها أعين كثير من الجهات في المنطقة الطامحة والطامعة الى وضع قدم في المنطقة !!
ـ هل الصراع الحاصل في الشمال المالي يبرر لبعض دول الجوار  التدخل العسكري في المنطقة؟
كما تعلم.. لقد صدر ميثاق الامم المتحدة عام (1945)، وكان الهدف الاساسي منه هو صيانة السلم والأمن الدوليين وتحقيق المبادئ والأهداف التي تضمنها الميثاق، ومنها المساواة في السيادة بين جميع الدول الاعضاء وحظر استخدام القوة في العلاقات الدولية مادة 2/4  .إلا أن تهديد دول افريقية عديدة بالتدخل الخارجي في لشمال المالي، وعزم الطوارق من جانب آخر على الدفاع عما اعتبروه حلم دولتهم المنتظر، يخشى أن تتحول بموجبه أزواد إلى أرض معركة حقيقية، حيث أعد رؤساء أركان دول المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا الذين اجتمعوا منذ فترة وجيزة في ابيدجان تفويضا لتشكيل قوة يمكن إرسالها إلى مالي التي تواجه ازمة حادة، سيطرح على رؤساء دول المنطقة للموافقة عليه قبل دخوله حيز التنفيذ، وكان اجتماع نواكشوط واضحا في أهدافه ومراميه، وظهر فيه اختلاف الأجندات بين دول الميدان مما يعطي في المقابل للأزواديين فرصة لمراجعة الذات وترتيب الاولويات التي لن يكون آخرها في الترتيب طمأنة الجيران وحسم وتوضيح طبيعة العلاقة مع القاعدة.
من جهة أخرى، فإن استقلال اقليم ازواد قد تتوجس منه بعض الدول خيفة، خاصة تلك التي فيها بعض الأقاليم التي تريد الاستقلال في المنطقة.
إن الدفع باستقلال هذ الاقليم وإعلانه دولة مستقلة رغم انعدام البنية التحتية، وكونه يفتقد لكثير من مقومات دولة قوية (إذ لا يحده بحر ويقع في صحراء مترامية الاطراف )،إلا أنه مع ذلك قد يسبب عدوى مطالب الاستقلال إلى كل الأقاليم في المنطقة المتجانسة في الهوية، كما قد يؤثر على دول التماس نتيجة لامتداد التوارق في دول الجوار، كما انه سيشكل ثاني تغيير في رسم الحدود بعد السودان في إفريقيا.
ومن جهة أخرى، فإن رفض الاستقلال قد يسبب حرجا كبيرا لبعض حكومات المنطقة، التي لم تكن بعيدة من هذا الملف وبعضها الآخر الذي يشكل التوارق أحد مكوناته البشرية . وبخصوص مسوغات التدخل ومبرراته فلن تكون الاكثر الحاحا  قبل الاجابة والحسم في إمكانية التدخل وانعكاساته.!
ـ من المعروف أن الحركات المسلحة في الشمال المالي المحسوبة على تنظيم القاعدة (الجهاد والتوحيد، أنصار الدين، تنظيم القاعدة الأم)، أعلنت سيطرتها على مدن في إقليم أزواد.. هل يبرر هذا الإعلان تدخلا عسكريا أجنبيا في المنطقة؟ وهل ترى أنه خيار ممكن؟
من الصعب أن تجازف الدول الغربية بالتدخل في الشمال المالي بعد مستنقع الصومال والعراق وأفغانستان، وهي ستكون مستعدة لأي دعم لوجيستي تقدمه لدول الميدان بهدف العمل على تحقيق استقرار الإقليم وازدهاره كفكرة قابلة للتسويق دوليا، في ظل احتلال هذه التنظيمات التي ذكرتم له في السنوات الأخيرة خاصة بعد التطورات المتلاحقة وبعد فشل الحكومات المالية المتعاقبة في السيطرة عليه، وفي اعتقادي فإن الحرب الحالية متعلقة بهدفين أساسيين بالنسبة للدول التي تخوض العمل العسكري والأمني الهادف لاستئصال القاعدة في المنطقة.
-  أولهما: منح الطوارق حكما ذاتيا في إطار حكومة فيدرالية.
- وثانيهما: تعهد الطوارق في المقابل بتصفية الإقليم من نشاط قاعدة المغرب الإسلامي، مكررين بذلك تجربتهم في العراق أي بناء الصحوات لتحارب القاعدة، وهي صيغة مطورة للحرب بالوكالة.
وقد يلجؤون لوسيلة أخرى وهي التفكيك وإعادة الصياغة أي تفكيك بنية المجتمع وإعادة صياغته وفق مقاربة جديدة، وهذ يتطلب وقتا وجهدا  ودراسة جادة تدرس كل الجغرافيا البشرية والسياسية المشكلة للمنطقة، عموما هذا من جهة، ومن جهة اخرى يمكنهم العمل على مقاربة التفريغ والتحكم من خلال تشجيع الحرب في المنطقة بين كل الاطراف، حتى يتم استنزاف السلاح القادم من ليبيا ثم التحكم في حركة السلاح في المنطقة، وهي مغامرة  قد لا يمكن التحكم في نتائجها..
ويبقى وضع إقليم أزواد مفتوحا على العديد من السيناريوهات المرتبطة بقدرة الطوارق على لعب دور سياسي وأمني يساهم في بلورة حلول للعديد من المشكلات، التي يبقى من أهمها للشركاء الإقليميين والدوليين دور الحركات الأزوادية في تقويض وجود تنظيم القاعدة في الإقليم والمنطقة.
 ـ بنظرك ماهي الخيارات المطروحة لدول المنطقة للتعامل مع الدولة الجديدة التي أعلنتها الحركة الوطنية لتحرير إقليم أزواد؟
الخيارات المتاحة تختلف باختلاف زاوية النظر عند كل دولة معنية بالوضع المالي، البعض يدعو للتريث والحوار والبعض يدعو للتدخل العسكري إلى غير ذلك من المواقف التي تنضح بها تصريحات  الدبلوماسيين المعنيين بالملف المالي، إلا انه من الصعوبة بمكان أن تتدخل دول الاكواس في الشمال المالي إلا اذا دفعت بالجيش المالي كرأس حربة في هذه الحرب، وكانت هناك ضمانات كبيرة من الغرب للتسليح والتكوين والتأطير والتوجيه وضمانات من جهات أخرى في تمويل الحرب، ولا أعتقد أن المعادلة الاقليمية والدولية القائمة حاليا تشجع على مغامرة من هذ القبيل، (انتخابات في فرنسا، واستعداد لها في امريكا، وانتخابات في الجزائر، واستعداد لها في موريتانيا، اما كوت ديفوار فخارجة من حرب أهلية، وليبيا مازالت تترنح  ولم تستقر بها الاوضاع، والسنغال خارجة من انتخابات كادت تعصف بكيانها.. كلها عوامل لا تنير الطريق ولا تضيف محلولا كاشفا للرؤية لمعرفة صيغة التعامل الامثل في هذ الواقع المضطرب !!
مع الاعتراف أن اختلاف أجندات دول المنطقة اتجاه موضوع أزواد، أثّر ويؤثّر في واقع التعاطي الدولي مع إعلان استقلال الدولة الوليدة .
ـ  هل يمكن أن تشكل الوضعية الراهنة ـ التي كانت أحد أسباب الاطاحة بالنظام المالي ـ تهديدا جديا للأنظمة الحاكمة في القارة الإفريقية؟
كل السيناريوهات ممكنة.. إلا أن الحالة المالية تختلف في كثير من جوانبها عن حالات الدول الأخرى، فالقارة الافريقية فيها أنظمة ديموقراطية  أخذت حصانة -إن كانت هناك حصانة ضد الانقلابات- (جنوب افريقيا مثلا) كما أن السنغال لم تشهد اي انقلاب في تاريخها، ويتحكم في كثير من تلك الأمور التي يشير إليها الوضع الداخلي للبلد والبنية الاجتماعية له وتاريخه ومحيطه الاقليمي والعقيدة العسكرية لجيشه وطبيعة الأحداث على أرضه، وردّات الفعل الحاصلة عنده، مع الاعتراف أن هناك عوامل تكون مسببة لتغيير انظمة الحكم وهناك عوامل تكون مسرعة لذلك التغيير.
7ـ يقال إعلاميا إن الجيش الموريتاني يحضّر لعملية عسكرية في الشمال المالي ربما بتعاون فرنسي، بنظرك ماهي إمكانيات نجاح الطرفين في كبح جمات الحركات الارهابية في المنطقة المفتوحة بأزواد؟ ثم ماهي عواقب هذا التدخل بالقرار بالنسبة لموريتانيا؟
لم اسمع بهذا الموضوع بشكل جدي، وإنما من خلال بعض وسائل الإعلام غير الرسمية، ورغم ان هذ السؤال افتراضي..! إلا أنني أعتبر أنه ينبغي أن تواجه موريتانيا الوضع بحكمة وتبصّر ودراسة واعية ومتـئدة للواقع على الأرض بكل إحداثياته، بما يسمح لها بتوقع كل ردّات الفعل الممكنة تجاه أي تصرف تقوم به مهما كانت طبيعته، فالمكان والزمان لا يسمحان بهامش للخطأ حتى ولوكان بسيطا، والقاعدة الذهبية في الدبلوماسية هي ( تصفير المشاكل مع الجيران أي 0 صفر مشكلة مع الجيران)، ما أقوله ختاما أننا نرجو لبلادنا أن يجنبها الله المنزلقات والهزات الارتدادية المتوقعة في هذه المنطقة.
أجرى الحوار مدير مكتب نوميديا نيوز في نواكشوط: أحمد ولد سيدي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق