تستعد مدينة تيشيت هذه الأيام لانطلاقة النسخة الثالثة
من مهرجان المدن القديمة ، الذي تشرف على تنظيمه وزارة الثقافة. في خطوة منها لنفض
الغبار عن ما تحتويه هذه المدن من كنوز ثقافية وآثار عمرانية شاهدة على الدور
الريادي لها في تكريس السمعة العلمية الحسنة للشناقطة في العالم .
هذا المهرجان لاشك أنه خطوة تستحق التثمين والإشادة بما
سيوفره من أنشطة ثقافية وندوات علمية من شأنها أن تساهم في التعريف بهذه المدينة
من خلال أبراز موروثها الثقافي وأهميتها التاريخية .
لكنه في المقابل يمثل أملا لدى
أبناء تيشيت لعله يكون بداية لكشف الغطاء عن ما تعانيه مدينتهم التاريخية وساكنتها
من تهميش وعزلة ، وغياب شبه كامل للمرافق العمومية الضرورية, والبنى التحتية .
الأمر الذي يجعل من هذا المهرجان مناسبة لهم يعبرون من خلالها عن مشاكلهم لرئيس الجمهورية عن
قرب ، عسى أن يجدوا حلولا تساهم في رد الاعتبار لجوهرة الصحراء تيشيت ، التي يكاد يندثر موروثها الثقافي والحضاري بفعل الكثبان
الرملية الزاحفة من دون رحمة ، في ظل غياب كامل لخطط إدارية عاجلة من شأنها أن تحد
من خطر التصحر، والذي يهدد أيضا الرافد التنموي المتمثل في واحات النخيل التي
تعتبر الركيزة الاقتصادية الأساسية لهذه المدينة ، ضف إلى ذلك مشكلة العزلة ، حيث
لا وجود لطريق معبد يساهم في ربطها بباقي مدن الوطن ، إذ يجد المسافر مشقة شديدة
في قطع المسافة الفاصلة بين تيشيت وعاصمة الولاية تجكجة ، مما نتج عنه هجرة واسعة
لسكان المدينة نحو العاصمة وباقي مدن الوطن الأخرى طلبا للعيش الكريم . الشيء الذي
انعكس سلبا على النشاط التجاري للمدينة، حيث لا وجود لحركة تجارية معتبرة تساهم في
الحد من بطالة الشباب ، والتخفيف من وطأة الفقر ، خاصة في غياب كامل لوجود تدخل
للدولة في هذا المجال , هذا إضافة إلى غياب الرعاية الصحية للمواطنين إذ لا تتوفر بلدية تيشيت
إلا على مستوصف يتيم، يعاني من ضعف التجهيز الطبي الضروري ،وقلة الكادر
البشري المقتصر على ممرض دولة وحيد ، لا يملك من الإمكانات ما يساعده في تلبية الحاجات الصحية للمدينة , الأمر
الذي جعل المواطن العادي العاجز عن توفير قوته اليومي يجد نفسه مضطرا لشد الرحال
إلى عاصمة الولاية "تجكجة" للحصول على أبسط الاستشارات الطبية رغم
التكلفة المادية لهذا التنقل.
أما ما يخص المؤسسات التعليمية،
فإن هذه المدينة التاريخية لا تتوفر إلا على ابتدائية وحيدة وإعدادية، مع ما تعاني
منه هاتان المؤسستان التعليميتان من ضعف في الإمكانات مما انعكس سلبا على
المستويات التعليمية للتلاميذ .
فهل يا ترى سيكون هذا المهرجان
نقطة تحول في اتجاه حلحلة كل هذه المشاكل التي ما زالت تيشيت تعاني منها ؟ أم أن
ريعه سيذهب إلى جيوب آخرين دأبوا التسلق على ظهور ساكنة المدينة لتحقيق مصالحهم
الشخصية وليبقى المكسب بالنسبة للمواطن البسيط مجرد سهر ومرح يزول بانتهاء الفترة
المحددة لهذا المهرجان ويعود بعدها الوافدون إلى أماكنهم الأصلية ، ويبقى أبناء تيشيت يعانون العزلة وظلم
ذوي القربى ؟ .
هي إذن صرخة مدوية تطلقها جوهرة
الصحراء، لعلها تجد من يعيد لها رونقها الثقافي والعمراني، هذه المدينة العريقة
التي يكاد، التصحر و العزلة ونسيان الجهات
المختصة، أن يقضي على ما بقي لها من كنوزها التاريخية .
أحمدو ولد محمد يحظيه
ولد اسويدان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق