نواكشوط ـ أحمد ولد سيدي * شبكة زدني*
فوق رمال متحركة وفي العراء يجلس “سيدي” مدرس “محظرة” قرية أكدرنيت بالريف الموريتاني (على بعد نحو 900 كلم شرق العاصمة نواكشوط)، مع طلابه لتقديم الدروس التي تبدأ من ساعات الفجر الأولى وتمتد إلى منتصف النهار ـ وفقًا لنموذج التعليم “المحظري”ـ (الكتاتيب القرآنية)، حيث يختلف نوع التدريس وتوقيته عنه في التعليم المدرسي، لكنه ذاكرته تجول في العديد من الأفكار في سبيل تحسين ظروف المحظرة وطلابها.
فوق رمال متحركة وفي العراء يجلس “سيدي” مدرس “محظرة” قرية أكدرنيت بالريف الموريتاني (على بعد نحو 900 كلم شرق العاصمة نواكشوط)، مع طلابه لتقديم الدروس التي تبدأ من ساعات الفجر الأولى وتمتد إلى منتصف النهار ـ وفقًا لنموذج التعليم “المحظري”ـ (الكتاتيب القرآنية)، حيث يختلف نوع التدريس وتوقيته عنه في التعليم المدرسي، لكنه ذاكرته تجول في العديد من الأفكار في سبيل تحسين ظروف المحظرة وطلابها.
تمسّك بالأمل
يقول مدرس “محظرة” قرية أكدرنيت في الريف الموريتاني “سيدي” إنه يتمسك بأمل تغيير الوضع المزري الذي تعيشه “المحظرة”، وإن همه الأول هو تعليم القرآن الكريم للأطفال اليافعين، وتدريس الفقه وعلوم اللغة للكبار، وسط صدمة من الواقع الذي آلت إليه الأمور في “المحظرة” العريقة.
ويرى “سيدي”أن تغيير واقع “محظرته” يبدأ بخطوات جريئة وفعالة من الجهات الإدارية في الولاية، من أجل توصيل مطالب توضح ما تحتاجه “المحظرة” من دعم فوري، إلى الجهات المسؤولة في وزارة الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي التي تتبع لها إدارة التعليم “المحظري” المكلفة بتأهيل “الكتاتيب القرآنية” ومد يد العون لطلابها والمدرسين القائمين عليها”.
ويضيف المدرس “لدينا حاجة ماسة لإنشاء مبنى لـ “محظرة” القرية، وتوفير راتب للمدرس من أجل أن يقوم بمهمته النبيلة وهي تدريس القرآن وعلومه، والفقه وأصوله، واللغة العربية للطلاب، مؤكدًا أن “المحظرة” تم إنشاؤها منتصف القرن الماضي على نفقة سكان القرية، لكن ظروف البعض المادية حالت دون الوفاء بالتزاماته تجاهها، ما شكل عائقًا أمام استمرارية التدريس، مطالبًا بتدخل رسمي يحيي آمال السكان في توفير التدريس “المحظري” الأصلي لأبنائهم.
الدراسة في العراء
يتوسط محمد محمود ـ أحد طلاب “محظرة” القرية ـ أقرانه خلال قراءة (لوح أعد من الخشب يكتب فيه لطالب المحظرة دروسه القرآنية)، لكن الجميع يفترش الأرض ويلتحف السماء، بعد أن حطمت الأمطار المحملة بالرياح الشديدة الكوخ الذي كان الطلاب يتخذونه ملجئًا يقيهم حر الشمس وبرد الشتاء منذ سنوات، في ظل غياب أي دعم حكومي أو خيري لبناء سكن للمحظرة وطلابها.
ويروي الطالب محمد محمود قصصًا مؤلمة للطلاب مع أيام الخريف المشمسة ولياليه الماطرة ذات البرودة الشديدة، معتبرًا أنهم بحاجة إلى بناء سكن لـ “المحظرة” يليق بطلاب يدرسون القرآن والعلوم الشرعية، مطالبًا الجهات الحكومية بتوفير الدعم لتربية النشء على الطريقة التقليدية التي ميزت موريتانيا أو بلاد “شنقيط “عن غيرها من البلدان على مر العصور.
ويؤكد الطالب محمد محمود أن الجهود المحلية لسكان الريف الموريتاني ـ رغم تواضعها ـ تساهم بشكل فعال في إنعاش “الكتاتيب” وتمنح المزيد من فرص التعليم للأجيال، غير أن الحاجة للمساعدات الحكومية والأهلية يظل قائمًا من أجل الرفع من مستوى “المحاظر”، مشيرًا إلى أن صرف راتب المدرسين، وبناء مساكن عصرية، وتشجيع السكان على ما بذلوا من جهود للحفاظ على بقاء “المحظرة” رغم الواقع السيئ مطالب ماسة لتغيير الواقع الذي تعيشه “محاظر” الريف في البلد بشكل عام.
أزمات ومشاكل تعيق استمرارية المدارس القرآنية
ليست “محظرة” قرية أكدرنيت الوحيدة التي يعاني طلابها العديد من المشاكل والأزمات جراء غياب الرعاية الرسمية، وعجز الأهالي عن وضع حد تلك المعاناة بل ينطبق الحال على أغلب الكتاتيب القرآنية في الريف الموريتانية المعروفة محليًا بــ”المحاظر”، حيث تشترك في غياب الدعم، والحاجة للبنية التحية لتوفير السكن للطلاب، والتكفل براتب المدرس وغير ذلك.
ويرى أمحمد ولد سيداتي ـ مدرس محظري ـ أن أغلب محاظر الريف التي مارس التدريس بها، أو تلك التي كان يرس بها سابقًا تعاني كلها من أزمات ومشاكل تعيق استمرارية التعليم، وينجر عنها في بعض الحالات توقف نهائي عن تدريس الطلبة، وفي بعض الأحيان تتوقف جزئيًا، لكن الأهالي يجمعون بعض المساعدات لاستئناف التدريس من جديد.
وأكد ولد سيداتي أن التدريس في “المحاظر” مجاني في الغالب، لكن توفير بناية لسكن الطلاب والتكفل براتب المدرس ثنائية تشكل عائقًا للكثير من القرى الريفية بموريتانيا، داعيًا الحكومة إلى وضع حد لمعاناة التعليم “المحظري” الأصلي وتوفير الدعم الكامل للقائمين عليه.
مشاريع تنتظر التنفيذ
أكدت وزارة الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي بموريتانيا في وقت سابق أنها بصدد إعداد دراسة مشروع التكامل بين المحاظر والمدارس العصرية، ضمن استيراتيجية رسمية تطمح لتحديث “المحاظر” الإسلامية القديمة التي تنتشر بشكل واسع بموريتانيا وتميزها عن غيرها من الدول.
وقالت الوزارة إن الدراسة الجديدة سيتم إعدادها بالتعاون مع البنك الإسلامي، والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو)، وأنها تهدف إلى تحديث النظام التعليمي المعروف محليًا بــ “المحاظر” والذي يشهد إقبالًا كبيرًا من كافة الموريتانيين.
وتشمل الدراسة التي أعلنت وزارة الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي بموريتانيا عن إعدادها دعم القائمين على “المحاظر” بأساليب التقويم والتسيير وتطوير الخدمات التربوية الذاتية.
ويرى الباحث الموريتاني الشيخ ولد عابدين أن وزارة الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي فرضت الوصاية على كافة المؤسسات العلمية الدينية بموريتانيا (الجامعات الإسلامية، والمعاهد الدينية العليا والمتوسطة، ومراكز التكوين المهني)، إلا أنها تتغافل عن تنشيط مديرية “المحاظر والمعاهد الأهلية” التي تضم مصلحة الدعم والتطوير، ومصلحة المناهج والمقررات، وهو ما يكشف مستوى غياب الدعم والتأهيل الذي تحظى به “المحاظر”لدى الجهات الرسمية.
ويؤكد ولد عابدين أنه بالضغط على كلمة “المحاظر” بموقع الوزارة يتلقى المتصفح كلمة “قيد الإنجاز، مما يوحي بأن الالتزامات الرسمية لرعاية ودعم “المحاظر” لا تزال غائبة أو دون المستوى المطلوب.
٧ آلاف مدرسة قرآنية غير مسجلة في موريتانيا
كشفت إحصائية رسمية تم إعدادها في موريتانيا سنة 2012 أن عدد “المحاظر” المعترف بها رسميًا في عموم البلاد يبلغ(6718) محظرة، تنتشر في كافة أصقاع البلد وتعمل على تخريج العلماء منذ قرون طويلة.
بينما تقول أرقام أخرى غير رسمية إن عدد “المحاظر”في موريتانيا يبلغ 7 آلاف “محظرة” تضم أكثر من 160 ألف طالب، غير أنها لم تحظى بالتسجيل على لائحة وزارة الشؤون الإسلامية المسؤولة عن إحصاء “المحاظر”، وبعضها مشهور لدى السكان.